تفرعت عن هذا الإنسان الطبيعي أنماط إنسانية أخرى قد تختلف في مضمونها عن الإنسان الطبيعي أو عن بعضها البعض، ولكنها واحدة في بنيتها وفي أحاديتها وفي تجردها من الإنساني والتاريخي وفي أنها تُعرَّف في إطار ما هو مادي وكامن فيها. وأهم هذه الأنماط الإنسان الاقتصادي، وهو إنسان متحرر تماماً من القيمة، أحادي البُعْد، دوافعه الأساسية اقتصادية بسيطة، وما يحركه هو القوانين الاقتصادية وحتمياتها، إنسان لا ينتمي إلى حضارة بعينها وإنما ينتمي إلى عالم الاقتصاد العام. وهو لا يعرف الخصوصية ولا الكرامة ولا الأهداف السامية التي تتجاوز الحركة الاقتصادية، وهو يجيد نشاطاً واحداً هو البيع والشراء ومراكمة الأموال وإنفاقها.
وثمة نمط آخر هو الإنسان الجنسي أو الجسماني الذي يشبه الانسان الاقتصادي تماماً في بنيته، فهو أيضاً أحادي البُعْد، خاضع للحتميات الغريزية متجرد من القيمة لا يتجاوز قوانين الحركة. إن الإنسان الطبيعي هو ذاته الإنسان الاقتصادي، وهو ذاته الإنسان الجسماني، قد تختلف المضامين لكن البنية واحدة. ولو أننا وضعنا كلمة «اقتصاد» أو كلمة «جنس» محل كلمة «طبيعة» لظل كل شيء على ما هو عليه ولما غيَّرنا شيئاً في خطابنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق