الهجرة وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر:
تحدث الهجرة في أنحاء مختلفة من العالم، تحركها عوامل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية، وتشكّلها رغبة الأفراد بالبحث عن عمل أفضل أو فرصة أحسن للحياة. ويحدث الانتقال من بلد إلى آخر إما بشكل نظامي عبر الحدود الرسمية وباستخدام وثائق سفر قانونية أو بشكل غير نظامي عن طريق رشوة النقاط الحدودية أو المرور من نقاط حدودية غير نظامية أو باستخدام وثائق سفر مزورة. وفي كلتا الحالتين فإن الانتقال من بلد إلى آخر يتم بناء على رغبة الشخص وإرادته الكاملة.
لكن قد يحدث أن يغرّر بالإنسان فيهاجر مجبراً أو مقتنعا بوجود فرص عمل وهمية في بلد آخر. وغالبا ما يكون الوسطاء أفراداً محل ثقة من المجتمعات المحلية، وفي حالة استغلال الفتيات يمكن أن يقوم هؤلاء الأفراد بترغيب الأهل من خلال دفع مبلغ كمقدم لخدمات الفتاة. ومن هذه اللحظة تصبح الفتاة مرهونة لهذا الدَّين الذي يتضخم بعدد المرات التي تباع فيها، وتجبر على القيام بأعمال لا ترغب بها وفي ظروف غير إنسانية. وتنتهي الرغبة في الهجرة والبحث عن حياة أفضل إلى الوقوع في مصيدة تجار البشر.
ولعل من أهم التحديات التي تواجه هؤلاء الضحايا أن معظم القوانين لا تميز بين الشخص الضحية وبين المهاجر غير الشرعي، وبذلك وفي أحيان كثيرة تصبح الضحية مجرمة في نظر القانون وترحل إلى بلدها دون أي دعم معنوي أو مادي، وحتى دون أي مساعدة للتقدم بشكوى ضد الذين تاجروا بها. ويقصد بتعبير الاتجار بالأشخاص تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. يشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. كما يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال اتجارا بالأشخاص.
ويمر الاتجار بالبشر بعدة مراحل :
المرحلة الأولى:
تصيد الضحية تصل الضحية إلى أيدي التجار بطرائق متعددة أهمها الإكراه عن طريق الخطف أو التهديد أو بالتغرير بإعطاء وعود لفرص عمل أفضل. المرحلة الثانية: نقل الضحية يتم النقل بالإكراه تحت التهديد من خلال حجز حرية الحركة للضحايا وخاصة النساء والفتيات باحتجاز وثائق السفر. وغالبا ما تتعرض هؤلاء النساء إلى الاغتصاب خلال عملية النقل أو قد تباع المرأة أكثر من مرة قبل الوصول إلى الوجهة النهائية. ومن الطبيعي أن عملية النقل لن تتم دون أن يكون هناك تورط من رجال الأمن والهجرة عبر المعابر الحدودية.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الضحايا قد تسافر بمحض إرادتها انطلاقا من قناعتها أنها تسافر لفرص عمل وحياة أفضل.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الضحايا قد تسافر بمحض إرادتها انطلاقا من قناعتها أنها تسافر لفرص عمل وحياة أفضل.
المرحلة الثالثة:
الوصول إلى الوجهة النهائية. عندما تصل الضحية إلى الوجهة النهائية تجبر على العيش حياة كحياة العبيد وغالبا ما تجبر النساء والأطفال على الدعارة أو الزواج بالإكراه أو الانضمام إلى مجموعات منظمة من المتسولين. وتفقد الضحية حريتها في تقرير مصيرها لتستمر بالعيش تحت التهديد بتسليمها للسلطات المسؤولة في ظروف غير إنسانية.
لقد عُني المجتمع الدولي ومنذ فترة مبكرة من تاريخه المعاصر بمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر، وأبرم لذلك العديد من المعاهدات الدولية طوال العقود الماضية، والتي تجرّم هذه الأفعال وتحظرها وتفرض التزاما على الدول الأطراف التي يقع عليها أيضاً عبء معاقبة المرتكبين للجرائم والأفعال المحظورة بمقتضى تلك الاتفاقيات، فضلاً عن الالتزام القانوني العام بتوفيق التشريعات الوطنية وتعديلها لتتواءم مع المعاهدات الدولية والتي تعد القانون الأسمى الذي ينبغي أن يسمو ويسود على جميع النصوص والقوانين الأخرى عملاً بالقواعد القانونية السائدة والمستقرة حول هذه المسألة.
وتبين الوثائق والاتفاقيات الدولية أنه قد استقرت في القانون الدولي قاعد آمرة لا يجوز مخالفتها وهي حظر الاتجار بالبشر وخصوصا النساء والأطفال، وأن هذه القاعدة ملزمة حتى للدول التي لم تصادق على الاتفاقيات المذكورة، لأنها تتعلق بالنظام العام الدولي، وتبعاً لذلك فإن أي دولة تتهاون في مكافحة الاتجار بالأشخاص ستكون عرضة لتحمل المسؤولية الدولية حتى ولو كان قانونها الداخلي يبيح مثل تلك الممارسات.
ذلك أن القاعدة القانونية المستقرة في القانون الدولي تؤكد أنه لا يجوز لدولة أن تحتج بتشريعها الداخلي للتهرب من تنفيذ التزاماتها الدولية وهو ما سبق وأكدته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وتبعاً لذلك فإن بعض فقهاء القانون الدولي يرون وبحق أن الدول التي تبيح قوانينها البغاء الرسمي ملزمة بموجب القانون الدولي بإلغاء هذا البغاء لأن أضراره الاجتماعية والصحية والأخلاقية لا تقل عن أضرار الاتجار بالمرأة عن طريق استغلالها واسترقاقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق